جزء من الفصل التاسع ... بداية أحداث ثورة 1924م
ردود
الأفعال علي ترحيل الجيش المصري: وبدأت ردود الأفعال عنيفة من الجانب العسكري لجمعية اللواء الأبيض فرفضوا
قرار ترحيل القوات المصرية بمر بسلام، ودارت الأحداث عنيفة:
1-أحداث
تلودي: كانت حادثتا واو وملكال نذيراً بالحوادث
اللاحقة في وسط الفرقة العسكرية. حيث الأورطة العاشرة السودانية معسكرة في تلودي
عاصمة مديرية جبال النوبة وكل ضباط الأورطة مصريين ماعدا ستة سودانيين وقائد
الأورطة انجليزي، ولما حدث اغتيال ستاك بمصر وما تبعه من إنذار وأمر إبعاد الجيش
المصري من السودان، جمع قمندان الأورطة من جنود وضباط سودانيين ومصريين وبعد أن
قرأ عليهم قرار الحكومة الانجليزية والقاضي بإبعاد القوات المصرية من السودان طلب
من الجنود مغادرة الطابور إلي حيث يسكنون ورجع الضباط المصريون إلي المعين ولم يبق
غير السودانيين وهم :اليوزباشي خضر عليّ، والملازم محمد جلال، وعبد الحميد فرج
الله، سيف عبد الكريم، محمد صديق، ومحمود التومي. إستاء الضباط السودانيون من هذا
التصرف واتفقوا علي الوقوف بجانب إخوانهم الضباط المصريين. واجتمع الضباط الستة
بإخوانهم المصريين داخل ثكناتهم واقسموا بأن لا يخرجوا لطابور طرد منه الضباط
المصريون وكان ذلك في يوم 24 نوفمبر 1924 ويقول عبد الرازق ريحان :" أن
الضباط السودانيين قد اتصلوا بالقمندان الانجليزي وابلغوه بأنهم لن يتخلوا عن
زملائهم الضباط المصريين وبما أنهم يدينون بالولاء لملك مصر فليس أمامهم إلا
الرحيل إلي مصر مع اؤلئك الضباط . وطلب القمندان منهم تسليم مسدساتهم ليتسن له
الإجابة لرغبتهم والسماح لهم بمرافقة الضباط المصريين، فهددوا القمندان فاتصل
بالمدير الانجليزي "نور سكوت" الذي وضعهم مع الضباط المصريين بالحبس
الإجباري في "الميس"، وانتدب
سرية تتألف من 44 جندي و 2 صف ضباط ومع كل واحد منهم 75 طلقة وأمر أؤلئك الجنود
بعمل كردون علي "الميس". وفي
اليوم التالي 25 نوفمبر استطاع أحد الضباط السودانيين أن يرسل خطاباً لجاويش
طالباً تخليصهم من الاعتقال فقام الجاويش بجمع 40 جندياً وبعد أن أقسموا جميعاً علي المصحف توجهوا إلي مكان
اعتقال الضباط حيث استطاعوا أن يستبدلوا الحرس الموجود وبعدها إطلاق سراح الضباط
وتسليم مسدساتهم وبذلك صارت الأورطة في حالة ثورة كاملة بعد إن استولوا علي مخازن الذخيرة واستقلت
الأورطة بزمام الأمر في المدينة بقيادة اليوزباشي "خضر علي " والملازم
ثاني "عبد الحميد فرج الله" مما
اضطرت السلطات البريطانية إلي استقدام قوة الهجانة من الأبيض لتعين علي
استرداد الموقف كما قامت 32 عربة مدرعة من الخرطوم تحمل فرقة من الجيش الانجليز. وبعد جهود سلمية عنيفة
استسلم الثوار في 28 نوفمبر واعتقل الضباط الستة وأرسلوا للخرطوم واعتقلوا في
الطابية الانجليزية ثم حوكموا بعد ذلك . إما الأورطة فقد تم تسريحها بعد الحادث
مباشرة .
2-مظاهرة الهجانة بالأبيض: كان اليوزباشي "محمد صالح جبريل"
قائداً لبلوك الهجانة بالأبيض عاصمة كردفان وقد تمكن من إثارة قوات الهجانة حيث
طاف بالجنود المدينة بين زغاريد النساء وهتاف الرجال بحياة ملك مصر والسودان،
وحياة سعد زغلول، فأعتقل وأرسل إلي سجن كوبر بالخرطوم بحري، إلي أن حوكم فيما بعد.
3-ملحمة 27 نوفمبر 1924:
وشهدت العاصمة وقتها ملحمة من أكبر وأشهر معارك السودان وهي ملحمة 27
نوفمبر وصفها دكتور أحمد ابراهيم دياب فقال: "فوجئت العاصمة بصوت الرصاص يدوي
من الجانب الشرقي منها وعرف أن عدداً من الضباط والجنود أرادوا أن يجتازوا كبرى
النيل الأزرق في طريقهم إلي الخرطوم بحري بغرض الاتصال بالجيش المصري الذي كان
يتأهب لمغادرة السودان إثر الأزمة الانجليزية المصرية بعد اغتيال سيرلي ستاك حاكم
عام السودان بمصر والإنذار البريطاني للحكومة المصرية بخروج الجيش المصري من
السودان. كانت القوات السودانية المتجهة صوب الخرطوم بحري تتكون من نحو 120 جندياً
ولكنها قوة ممتازة مكونة من ضباط الصف المدربين تدريباً عالياً علي استعمال
الأسلحة، ومن الكتيبة 11 جي أورطة سودانية بقيادة عدد من الضباط هم:(عبد الفضيل
ألماظ، وحسن فضل المولي، وثابت عبد الرحيم، وسليمان محمد، وسيد فرح، وعلي ألبنا).
وتزودت القوة بكل الذخيرة الموجودة في مدرسة ضرب النار فكان في حوزتهم زيادة علي
بنادقهم أربعة مدافع مكسيم وعدد من صناديق الذخيرة، وقام سيد فرح قبل أن تتحرك
القوة، بفك نحو الستين وسلمهم حسن فضل المولي سلاحهم بدون ذخيرة وطلب منهم الحصول
علي ذخيرة والانضمام إلي عبد الفضيل ألماظ كقوة احتياطية. وفي نحو الساعة الرابعة
مساء يوم 27 نوفمبر خرجت هذه القوة في قوة وصرامة واستقبلتها شوارع العاصمة
بجماهير معجبة وهي تسير من ثكنات توفيق متجهة إلي كبري النيل الأزرق عن طريق شارع
الخديوي "الجامعة حالياً"، مارة برئاسة الجيش المصري "البوسطة
حالياً".
القوات الإنجليزية علي كوبري النيل الأزرق في
معارك ثورة 1924م
ويقول علي ألبنا، وقد احتك بنا انجليزي خارج من
دكان حلاقة وشق صفوفنا ومنعه سليمان محمد من المرور بين الصفوف وقد هدده بالمسدس فرضخ وانصرف وبعد قليل جاء اللواء
"مكاوي" وسألنا: هل تريدون ضرب الجيش الانجليزي؟. فقلنا له لا، وان
غرضنا أن نذهب للخرطوم بحري لكي ننضم لإخواننا المصريين باعتبارنا مقيدين بيمين
الولاء والطاعة إلي مصر مع الجيش المصري. فطلب أن يذهب الضباط ويبقي العسكر
فرفضنا. وبعد ربع ساعة جاءنا "هدلستون باشا" نائب السردار، وطلب منا أن
نتفاوض معه فرفضنا وقلنا أننا لا نعرف "هدلستون باشا" بل نعرف
"رفعت بك" فقط وأن المفاوضة مع "رفعت بك" في بحري. واستمروا
في سيرهم نحو الخرطوم بحري، وبالقرب من "وزارة الثروة الحيوانية حالياً"
مبني المجلس الطبي، وقفت القوة السودانية عندما رأت أمامها الجيش الانجليزي يسد
شارع الخديوي، وقد احتل كلية "غردون" بقسميها الكليات والداخليات وأخذت
تشكيلاً حربياً لتتصدي للقوات السودانية وترغمها علي الرجوع، كما فتح كبري النيل
الأزرق ــ الموصل بين الخرطوم والخرطوم بحري ــــ ليستحيل عليهم الذهاب لبحري أو
وصول أي قوات من بحري .وبعد ذهاب "هدلستون" أطلقت القوات الانجليزية طلقات
في الهواء إرهابا وتخويفاً، فما كان من ضباط القوة السودانية الا أن أمروا جنودهم
أن يحصنوا بالجدول علي طرفي الشارع وصوبوا نيرانهم الحامية بسرعة خاطفة علي الجنود
البريطانيين فأبيد عدد من جنود الفرق الانجليزية المرابطة. ويقول علي ألبنا
:"ولا أبالغ إذ قلت إن أورطة بحالها قد أبيدت أي حوالي 600 جندي من فرقة
الاسكتلنديين"، وتقول جريدة الرأي العام "إن العدد الذي أبيد بلغ
السبعمائة جندي"، ويقول تقرير المخابرات، كانت ضحايانا كثيرة. وظلت الملحمة
دائرة بعنف ولم تهدأ حتى منتصف الليل، ويقول ألبنا "إنه في حوالي الساعة
الحادية عشر مساء جرح عبد الفضيل ألماظ، فارسلته للمستشفي العسكري، رئاسة وزارة
الصحة حالياً / بجوار مكان المعركة ومعه حرس أثنين عساكر ولكن للأسف كان حكيمباشي
المستشفي الانجليزي مجردا من الإنسانية فبدلاً من إسعافه قتله، وكان حرس عبد
الفضيل ألماظ جاويش من جبال النوبا أسمه "أرتبيكو" فجاء في حالة حزن
وأخبرنا بأنه قتل الضابط الانجليزي وأثنين شوام انتقاما لقتل ألماظ".....
وهذا القول يبرز شيئاً جديداً عن موت عبد الفضيل الذي أوردته كل الكتب والصحف التي
تناولت الحديث عن ملحمة 27 نوفمبر (بأنه أستشهد وهو يحمل مدفعه المكسيم إلي أن
تحطم فيه جانب من مبني المستشفي) .واستمرت الملحمة بين الفريقين حتى صحوة يوم
الجمعة 28 نوفمبر وقد نفذت الذخيرة من بعض الجنود السودانيين قرب منتصف الليل،
فأخذوا يتسللون ويختفون، وقد تمكن الضابط سيد فرح من التسلل فى منتصف الليل بعد
نفاد الذخيرة وعام (سبِح) النهر من شاطىء الخرطوم بحرى حيث تخفى فى زى البحارة وقد
قدم له ملابس البحار أحد عمال الوابورات، ثم إتصل بالجيش المصرى المرابط هناك
وتمكن من الهروب معه إلى مصر، وظل مختفياً متنقلاً فى القرى المصرية منتحلاً شخصية
مغايرة حتى أبرمت معاهدة 1936 الإنجليزية ـــ المصرية، وأعلن العفو عن المجرمين
السياسيين فأظهر نفسه وعفى عنه. أما " سليمان محمد وحسن فضل الولي وثابت عبد
الرحيم وأنا ، فقد اجتمعنا بعد أن صارت القوة غير متكافئة وعرّفنا العساكر ليدافع
كل عن نفسه وذهبنا إلي أم درمان بمراكب السمك. وللأسف انضم بعض الضباط الذين كانوا
معنا للقوات البريطانية ووجهوا مدافعهم علينا من الخلف من رئاسة الجيش المصري وقد
عبر بعض هؤلاء عن العملية بأنها "شغل أولاد ". ومنذ مساء 28 نوفمبر شرعت
السلطات في إلقاء القبض علي الضباط المشتركين والمتهمين ومن يعثر عليه من الجنود
الذين تسللوا بعد نفاد ذخيرتهم، وبمجيء مساء السبت 29 نوفمبر كان قد تم اعتقال كل
من سليمان محمد وثابت عبد الرحيم وعلي ألبنا، أما حسن فضل المولي فقد سلم نفسه،
وهكذا انتهت ملحمة 27 نوفمبر. وقد شهد البريطانيون بموقف الذين اشتركوا في ملحمة
27 نوفمبر حيث وصفوهم بأنهم قاوموا مقاومة عنيفة وأن الأمور لم تعد إلي مجاريها
إلا بعد استعان الجيش خلال أربع ساعات بمدافع قاذفة .... وبنادق سريعة الطلقات. إن
ما احدث في عصر الخميس 27 نوفمبر 1924 م، لم أجد تعليلاً لأسبابه المباشرة الآن.
وما قيل من الأسباب هو في الغالب ما أستنبط من ظروف الحادث وما أدي إليه الاستقرار
العام. ومما قيل من أسباب تلك الملحمة الدامية. أن الحادث كان نتيجة مؤامرات ضد
الانجليز دبرت في مصر وهذا التمرد يظهر أنه نفذ بناء علي أمر أخر من القائمقام
"أحمد بك رفعت" في المدفعية وغيره من المصريين. وقد وعد الضباط الذين
قاموا بتحريض رجالهم ضد الانجليز علي أنه بعد إطلاقهم القذيفة الأولي فأن المدفعية
المصرية ستشترك معهم بضربها للطابية والقصر وثكنات الجيش الانجليزي. هذا ما كان
يتصوره أو يقدره الحكم الانجليزي في السودان أنه السبب المباشر ويدحض هذا الزعم ما
قاله، أحد زعماء الملحمة "اجتمعنا نحن الضباط الستة الموجودين وقررنا
باعتبارنا مقيدين بيمين الولاء والطاعة لملك مصر ان ننضم إلي القوات المصرية
وتنفيذ تعليمات ( رفعت بك ) سواء بالبقاء في السودان أو السفر إلي مصر مع الجيش
بعد حضور مندوب الملك ". وهذا القول يوضح أن الضباط السودانيين كانوا يريدون
الانضمام لقيادة "رفعت بك" وفاء للقسم الذي أدوهـ بالولاء لملك مصر وهو
قائدهم الأعلى وأنهم يريدون الهجرة لمصر لتأمين مستقبلهم في الجيش المصري. وهذا
الرأي هو الذي أراهـ يجري في مجري الواقع، ويؤيدهـ قول أحد الذين قادوا واشتركوا
في الملحمة. أما الوجه الأخر للمعادلة وهو مسألة وعد الجيش المصري بالتدخل في
الوقت المناسب وبعد أن يشعل السودانيون الفتيل فينبغي الإجابة بنعم أنه لم تتحرك
أي كتيبة مصرية خاصة والقتال كان يدور قريباً من كوبري النيل الأزرق حيث كان الجيش
المصري يعسكر علي البر الشرقي في الخرطوم بحري، أو علي بعد لا يزيد عن الميل. وأن
القتال استمر ليل الخميس وصباح الجمعة".
ومن
ثم أعتقل بقية الضباط وقُدموا لمحكمة عسكرية لم يعرف أحد ما دار فيها، وحُكم عليهم
رمياً بالرصاص ... وهم: حسن فضل المولى، ثابت عبد الرحيم، سليمان محمد، علىّ البنا. وفى اليوم الخامس من شهر ديسمبر 1924، نُفذ فيهم حكم الإعدام، وكان ذلك في
الساحة التي تقع غرب مدينة بري، حيث اُمر كبار الضباط السودانيين الموجودين
بالعاصمة وبعض أعيان السودان ان يحضروا تنفيذ الحكم اذلالاً وارهابا، وكذلك جيء
بالبطل "عليّ عبد اللطيف" مكبلاً بالاغلال من معتقله داخل معسكرات الجيش
الانجليزي ليشهد الرفاق وهم يتصارعون ويتسابقون للموت وهم شوامخ لا عرف الخوف
طريقاً الي قلوبهم ..... ووصف اليوزباشى (قسم السيد خلف الله)، وكان من الضباط
المتهمين المعتقلين والذين جىء بهم ليشهدوا إعدام زملائهم تخويفاً وإرهاباً، يصف
المشهد فيقول:" فى الفضاء الواقع بين
ثكنات الجيش ووابور الماء ببرى رأيتهم قد ركزوا أربع خشبات، وعرفت فى الحال أنها
خصصت لإعدام زملائى الضباط الأربعة. وإحتشد كبار الضباط البريطانيين فى العاصمة
وعلى رأسهم (هدلستون باشا) الذى جاء فيما بعد حاكماً للسودان. كما حضر بالأمر بعض
الضباط السودانيين لحضور المشهد كل منهم يمثل (بلوكاً) وهم: الضابط المرحوم أحمد
عقيل، والمرحوم بلال رزق، وحامد صالح المك، وعبد الله خليل، وكلهم فى أزيائهم
الرسمية وعلى بُعد قليل من الخشبات المنصوبة لإعدام الأبطال رابط عشرون جندياً
سودانياً من فرقة السوارى التى كانت ترابط فى شمبات خلال الثورة حفاظاً على الأمن
ولإستعداداً للطوارىء ــــ وخلف هؤلاء الجنود رابطت قوة من جنود الجيش الإنجليزى
مدججة بالسلاح وعلى أهبة الإستعداد للطوارىء فيما بعد لو رفض جنود السوارى إطاعة
الأوامر أو أي إحتمال آخر !!!. فى حوالى الساعة السابعة صباحاً جىء بالضباط
الأربعة تحرسهم ثلة من الجنود البريطانيين شاهرى السلاح ( بالسونكى ) وقد قيدت
أيدى الضباط بالسلاسل، أما أرجلهم فكانت
طليقة وقد أرتدى كل منهم حلته العسكرية، وعلى رؤوسهم قبعاتهم تحمل علامات فرق
الجيش التى كانوا بها، وعلى أكتافهم ( الدبابير ) التى تشير الى رتبهم العسكرية
وكان لباسهم الرسمى (رِدى وسترة كاكي). ذو خطى ثابته ورؤوسهم شامخة عالية كأنهم
يتحدون الموت، أبصارنا تتبع كل خطوة من
خطواتهم العسكرية الثابتة المنتظمة ويتمني كل من الحضور ان يفديهم من هذا المنظر الرهيب .... !!!.الضابط حسن فضل المولى أول من تقدم اليه صول
إنجليزى إسمه (جلبرت)، وقاده إلى أول خشبة
ونزع عنه قبعته ثم جعل ظهره موالياً للخشبة ثم مدد له يديه خلف الخشبة ودلاهما الى
إسفل وربطهما عمودياً على الخشبة. وأخرج قطعة قماش كانت فى جيبة وعصب بها عينى
الضابط حسن ولف عليهما بخيط رفيع ضماناً لتثبيت قطعة القماش على العينين. كل هذا
والضابط الشهيد رابط الجاش مثلاً أعلى للثبات والرجولة فلم يغير وقفته العسكرية الشامخه
ولم تختلج من جسمه قطعة!، وكان كل زملائه فى مثل موقفه وشجاعته لم تتعثر خطواتهم
وهم يتقدمون فى خطواتهم العسكرية الباسلة نحو الأخشاب التى أعدموا مشدودين عليها!!!.
وبعد أن تم ربط الضباط الأربعة على النحو المذكور وضع الصول (جلبرت) قطعة قماش
سوداء مستديرة على منطقة القلب من جسم كل منهم (تحت جيب السترة من الشمال) ليصوب
الجنود رصاصهم عليها. وفى لحظة أوشك الرصاص أن ينطلق، وإذ بنا
نفاجا بالصول الإنجليزى يسرع مهرولاً ويفك الوثاق من الضابط (علىّ البنا) وينحيه
بعيداً، ثم يقاد وهو مكبل فى القيود. وعلمنا فيما بعد أن حكم الإعدام بالنسبة اليه
عُدل إلى التأبيد ثم إلى عشر سنوات سجناً. و بالعودة
إلى أصعب لحظات إعدام باقى الأبطال وهم يترقبون لحظة التنفيذ الرهيبة، أرسخ من
الجبال ثباتاً! لا حركة ولا إختلاجة ولا همسة! وأطلقت كل مجموعة من الجنود رصاصها
نحو الضابط المعنى دفعة أولى .... وهرع الطبيب الأنجليزى إليهم وكشف عليهم فى سرعة
فوجدهم مازالوا أحياء .....!!!. وأعيد الضرب وصوبت إليهم هذة المرة دفعات من
الرصاص فأستقر فى جسد كل منهم عدد غير قليل من الرصاص!!! . حيث وجد الطبيب أن
أرواحهم الطاهرة قد صعدت إلى بارئها لتجد فى رحاب جناته الواسعة عوضاً عن هذا
الشباب الغض الذى وهبته راضية مطمئنة لوطنها !!!. ألا رحم الله كل أبطالنا البواسل
الذين ضحوا بكل غالى ونفيس فى ظل عيش كريم وحرية منشودة وحلم سعيد لأجيال قادمة
بكل سماحة وعزة نفس .... وحُرم على أهليهم البكاء عليهم أو تلقى
العزاء فيهم، وكان الجنود يطوفون بمنازلهم ليتأكدوا أن ليس هناك مأتم ومعزون
...!!!. وبكاهم أهلهم وأصحابهم فى حرقة أليمة سراً وهم يتجرعون غصص الألم والمهانة
والمذلة فقد حُرموا قهراً من أن يندبوهم جهرة أو يقيموا لهم مأتماً ...!!!. إلى
هذا الحد من التنكير لأيسر المعانى الإنسانية بلغ الحنق بحكومة ذلك العهد وهى تحارب
الرجال حتى بعد مصرعهم ....!!!. تغمضكم الله بواسع رحمته.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية