الأحد، 19 فبراير 2017

كتاب نسمات الربيع ..... عبيد حاج الأمين



مشاركة عبيد حاج الأمين في كتاب نسمات الربيع

 بمناسبة الاحتفال بالليلة الختامية لمولد رسولنا الكريم صلّ الله عليه وسلم في 12 ربيع الأول العام 1342هــ  لسنة 1923، حيث أقيم الحفل في سرادق الحكومة بأم درمان، وشباب الخريجين يشتعلون حماساً الكل يحمل أشعاره ليتباري بها أما الحشد الغفير، والشعور الوطني زاد كثيراً من زى قبل، ومنظر الطلبة وهم بالزى الوطني من جلباب وعمامة، أمثال الشبيبة العاملة في الحقل السري، توفيق أحمد البكري، سليمان كشة، وآخرون في زى (الأفندية) كما أطلق عليهم في تلك الحقبة، عبيد حاج الأمين، وعثمان هاشم، ومن أشعار عثمان هاشم:

ناد القوافي فإن لباك شاردها
        

فصغ بديــع معــانيها بإمعــان

إني تعهدت فيه أن أعيد بــه
         

في مولد المصطفي أيام حسان
 
 ثم، شاعر أخر أكثر حماسة وأثار ضجة كبيرة عندما جاء بشعره وخالف العرف السائد لمثل هذه الاحتفالات، فلم يكتب أشاعره علي ورق بل أراد أن يقرأ ما حفظ، ولكن رفض له هذا العمل الحديث علي عهدهم وهنا وقف مأمور أم درمان وقتها "عبد الخالق حسن" ذاك الرجل الطيب الذي أحبه الكثيرون وهو أخر مأمور مصري لمدينة أم درمان، فقال مخاطباً لجنة الاحتفال:" أن يدعوا هذا الشاب يتلوا علينا قصيدته وأنا أتحمل تبعاتها، ثم أخذ (الفتي مدثر البوشي) يقول:

سلام علي الدين الحنيف وفتية
          

علي عهدهم ترعي النهي والمحارم

تبدل ماضينا ولم تبــق سنـــة
           

وصـار لـــنا مما نعــــد المـــواسم

إذا شئت يا ذات الثنايا تشاهدي
           

بنيك علي مــــر الليــالي فـــهاهـــم

نفوس أبت فعل الخيرات لأهلها
          

وأيـــد إلي الأعداء نـــعم أللــــــهازم

وكيف يداني الناس محمّد أحــمد
         

وأحمد نودي حيث جـبريــل  واجــم

مــلائكة الرحمــن أحراسه ومـن
          

مقــاتلة الأنــــصار جـــند مقـــــــاوم

ولهذه القصيدة(بعض أبيات منها)، أثر في نفوس الحاضرين ومتنفس لما يشعرون به من كبت ولكن، أثارت حفيظة الانجليز وتم استجواب الفتي وتدخل أصحاب الشأن وتم إخلاء سبيله.... هذه بعض من أبيات لشعراء ذو ثقافات عالية ودراية كبيرة ووعي بما يحدث في تلك الفترة من مظالم وقهر وكبت للشعور والوطني وما أكثر هؤلاء الشبيبة وقتها، ويفتتن الناس بهذا اللون من الشعر الثائر، ويتمني كل فرد من الحضور لو حصل علي هذا الشعر ويجعله من ضمن مقتنياته، ولكن هل كل الأماني محققه، نعم! هذا الفتي من الذين يعملون في الحقل السري ورفاقه أبوا ألا يفوتهم مثل هذا الشعر الذي يعبر عن كثير من مشاعرهم المكبوتة، وتنفس كل منهم الصعداء في هذه الليلة، فماذا فعلوا؟... يقول صاحب هذه الفكرة "قصة كتاب نسمات الربيع"، من مذكراته التي سجلها في مجلة (مرآة السودان):" كُنا قد كونا (جمعية الاتحاد السوداني السرية) ومن أغراض هذه الجمعية بث الثقافة ونشر التعليم، وفي نوفمبر 1923 كُنا نحن أعضاء شعبة أم درمان من الجمعية قد قررنا أن تدخل الجمعية ميدان النشر وان نخصص لها أسم "الرابطة السودانية" وان يكون النشر باسمي لأنيي ليست موظف حكومة. أما المسائل الفنية والمالية الخاصة بالنشر فكان مسئولاً عنها "يوسف أفندي الريح" الموظف بالمساحة "رحمة الله عليه" لبعده عن الشبهات الحكومية ولعدم معرفة جل أعضاء الجمعية به ولثقتي فيه وتثنيه صديقي "عبيد حاج الأمين".....






 ووجدنا ان لو استطعنا فجمعنا كل القصائد التي تقال في ليلة المولد هذا العام وطبعناها وبعناها لكانت الفائدة مزدوجة، ولكن كيف الحصول علي القصائد؟. كان مشروطاً علي الذين يريدون إلقاء قصائد في ليالي المولد أن يقدموا نصها مكتوباً للمراقبة، ولا يسمح لأحدهم أن ينطق إلا بما نال الموافقة!. وكان المجازفون يقدمون شيئاً ويقولون شيئاً، ونحن في حاجة لما يقولون، وقد كان من بين أعضاء أم درمان الذين حضروا بحث هذا الموضوع، (القاضي ... أحمد بابكر بدري) فأشار علينا بطريقة كانت ناجحة، وهي أن نكلف ستة من أعضاء الجمعية، وقدم نفسه ليرأس ثلاثة منهم، فيكتب كل منهم صدر بيت يقال، وكل علي حدته ويكتب الآخرون العجز. وإختاروني رئيساً لأصحاب العجز، فاخترت الزميلين الشيخ عمر العمرابي(عضو الشيوخ سابقاً)، والمرحوم عبيد حاج الأمين، واختار أحمد بابكر بدري الأساتذة ألبدري الريح"رحمة الله عليه" والمرحوم الأمين علي مدني، وعلي ما أذكر محمد عثمان عيسي"ابن رجاء", (وهو التوقيع الذي عرف به وهو يكتب في الحضارة)، ونجحت الخطة (وهؤلاء هم الفتية الذين شاهدناهم متخفين داخل السرادق، منكبين يسجلون خفية ما يسمعون)، ولما  قارنا وجمعنا كل ما كتب كونا مجموعة القصائد وهي كل ما قيل، فنسخناها في كتاب صدرناه بهذا الإهداء (إلي كل من وضع لبنة في تشيد صرح النهضة الأدبية، إلي النفوس الطامحة للرقي والتقدم، إلي القلوب النابضة بحب البلاد، إلي الضمائر الحية النقية، بل إلي شباب البلاد الناهضة وزهرته اليانعة...)

بسم الله الرحمن الرحيم

   (البلد الطيب يخرج نباته بإذن الله) شعب عربي كريم يدين بدين الإسلام الحنيف دين الإخاء والحرية والمساواة، هطلت عليه من سماء العروبة قطرات أنعشت روح الأجداد فازدهرت جنة أدبائه، وأينعت وهذه فاكهة من ثمارها قيلت في الليلة الثانية عشرة من شهر ربيع الأول سنة 1342هـ، ذكري للمولد النبوي الشريف. وقد حدا بي إلي جمعها ما حازته من استحسان فأحببت ألا يفوت النائين استنشاق هذه الزهور التي تتسرب رائحتها إلي الأفئدة والقلوب فتعشقها والذكري تبعث الذكري. وهكذا تم طباعة وإصداره بعد معاناة مع الطباعة وقلم المخابرات الانجليزية الذي وقف بالمرصاد لكل عمل يزيد من الوعي والتثقيف وبمساعدة السيد حسين شريف... ثم تسلم سليمان كشة أول نسخة من كتاب نسمات الربيع، ووُزعت علي أعضاء جمعية الاتحاد في الأقاليم فمنهم من باعها بعشرة قروش وهو الثمن الذي قدر له ومنهم من باعها بخمسة وعشرين قرشاً وآخرون باعوها بجنية، وكل الأموال كانت حصيلة لمالية "جمعية الاتحاد السوداني السرية"، ولكن هذا الكتاب أحدث بعض المواقف مع شخص سوف يأتي ذكر بطولاته فيما بعد ألا وهو "الضابط عليّ عبد اللطيف"....




 إذ يقول سليمان كشة في مذكراته:"وما كانت صلتي الودية مع المرحوم الضابط عليّ عبد اللطيف متينة، ولكنه لم يكن عضواً في الاتحاد معنا لفرط تطرفه، فقد زارني في منزلي بأم درمان عقب النسمات محتجاً ومنبها إلي اللهجة التي سلكتها في المقدمة إذ قلت(شعب عربي كريم) وأراد أن أقول (شعب سوداني كريم)، إذ لا فرق بين عربي وجنوبي، فأكبرت ذاك منه وظللنا بعدها صديقين علي أساس مصلحة السودان وان لم تجمعنا أحدي الجمعيتين فلم أكن أحد أعضاء اللواء الأبيض ولم يكن هو أحد أعضاء الاتحاد السوداني. 

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية