تابع الجزء السادس .... ثورة 1919.... أول وفد سوداني يزور إنجلترا
سعد
زغلول باشا وثورة 1919م وأثرها في السودان:
سعد زغلول
وطني مصري، ناهض الإستعمار، تتلمذ علي يد العلامة "محمد عبده ـــ جمال الدين
الأفغاني" الذي قال عنه: (أن الحرية ناشئة في مصر أن يجيد في الكتابة عنها
هذا الناشئ). تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وعبد
العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين وأطلقوا على أنفسهم الوفد المصري.
وقد جمعوا توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة:
"نحن الموقعين على هذا قد أناب عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق
السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في إستقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية
والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى". إعتقل سعد زغلول ونُفي إلى جزيرة
"مالطة" بالبحر المتوسط هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس 1919م..... إنفجرت
ثورة 1919 في مصر وأجبرت الثورة الشعبية
الإحتلال الإنجليزي على الإفراج عن سعد وصحبه، وعادوا من المنفي إلي مصر، وسمحت
إنجلترا للوفد المصري برئاسة سعد زغلول بالسفر إلي مؤتمر الصلح في باريس ليعرض
عليه قضية إستقلال مصر. وفي 7 أبريل 1919، ذهب على رأس وفد إلى مؤتمر الصلح في
فرسايVersailles Peace Conference، إلا أن أمال الوفد تبددت حين شجعت الولايات
المتحدة الحماية البريطانية لمصر. ثم حاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة
ولكنها فشلت. ثم جرت إنتخابات تشريعية فاز فيها مرشحو سعد بغالبية مقاعد البرلمان،
وشكل سعد الوزارة التي تعد أول وزارة شعبية في مصر. تقلد رئاسة الوزارة عام ١٩٢٤،
وتفاوض مع ماكدونالد رئيس الوزراء البريطاني، وتوقفت المفاوضات بينهما، ثم إستقال
سعد زغلول بعد حادث مقتل السردار البريطاني السير لي ستاك عام ١٩٢٤. ونتيجة لنار
الثورة التي إندلعت في مصر قوية ملتهبة، ظهرت من بين شعارات الثورة المصرية عبارة
(السودان جزء من مصر لا يتجزأ). وبرزت في السودان وقتها، ثلاثة تيارات أخذت الطبقة
المتعلمة تتجمع حولها، تيار المثقفين على القومية السودانية في هذا المعترك الجديد
تحت إصرار أن تكون للسودان وحدة ذاتية قائمة بنفسها، تيار آخر يسير مع هذا التيار
الحفيظ على القومية السودانية إلا أنه يعمل لتحقيق أهداف السياسة الإنجليزية في
السودان، والتيار الثالث يجمع أولئك المتجاوبين مع ثورة مصر وشعارات قادتها وقد
بدأ لهم أن هذه الثورة قد تعين أوضاع السودان إلى خير مما هي عليه، فساروا مع
التيار الثوري المصري ولكن في خفاء وحذر عن طريق الجمعيات السرية حتى إنفجرت
ثورتهم المكبوتة في حوادث عام 1924م، سوف يأتي ذكرها تفصيلاً. ولكن قبل أن تتم
فرحة هؤلاء الشباب المناهض للإستعمار ظهرت لهم زيارة الوفد السوداني لإنجلترا
لتهنئة "الملك جورج الخامس" بالإنتصار في الحرب العالمية الأولي، فما هي
حقيقة هذا الوفد وأثره علي قضيتنا موضوع العمل؟.
أول وفد سوداني يزور إنجلترا:
في يوم 21 يونيو 1919 م، قرأ الناس في جريدة
الحضارة العدد 17 إن وفداً من السودان سيتوجه إلى إنجلترا لتهنئة جلالة الملك
بالنصر، حيث إنتصر معسكر إنجلترا وحلفائها على معسكر ألمانيا في الحرب العالمية
الأولى (1914ـــ 1919)، وكان الناس وقتها يتابعون أنباء الحرب عن طريق الصحافة
المصرية، وهذا ما كُتب وقتها في عدد الحضارة :" .....علمنا أن وفداً من سراه
هذه البلد سيتوجه لإنجلترا لينوب عن أهالي هذه البلاد في تهنئة جلالة الملك بنهاية
الحرب نهاية سعيدة مقرونة بالإنتصار، وسيبرح الوفد الخرطوم في أوائل يوليو القادم
فيصل إلى إنجلترا قبل نهاية هذا الشهر. والذي فهمناه إن حكومة جلالة الملك أعربت
عن سرورها العظيم لهذه الزيارة الميمونة، وهى مستعدة لأن ترحب بالوفد ترحيباً
ودياً ... أجل، نزف إلى قومنا اليوم هذه البشرى التي لم تأتهم بمثلها الأيام من
حيث دلالتها على معنى كبير. فلابدع إذا إبتهجت البلاد سروراً بهذا الخبر لأنه جاء
دليلاً على أنما أظهرته في هذه الحرب لم يذهب سدى بل صادف أمة حرة وحكومة كريمة
فأنبت فيها عواطف علينا، كما أن هذا المظهر مظهر الإخلاص الذي تظهر به على الدوام
لم يكن إلا إعترافاً بالجميل، فزيارة وفدناً لتلك البلاد التي تربطنا بها روابط،
سياسية، واقتصادية وودية للتعبير لها عن عواطف الآهالي وللإشراك معها في الأفراح
العمومية التي ستقيمها إحتفاء بإنتهاء الحرب وتوطيد أركان السلام مظهر لهذه
العواطف المتبادلة بيننا وبين البريطانيين، وإنا لنرجو أن يعود أعضاؤه إلى بلادهم
وهم يحملون إليها التمدين الصحيح الذي تقوم عليه تلك البلاد العظيمة والله المسئول
لكل مأمول" ..... في يوم الأربعاء 2 يوليو 1919م، سافر أول
وفد سوداني إلى إنجلترا، حيث تكون الوفد من السادة: (السيد علىّ الميرغني، والشريف
يوسف الهندي، والسيد عبدالرحمن المهدي، ومن الزعماء الدينيين بالسودان، الشيخ أبو
القاسم أحمد هاشم رئيس مجلس العلماء والشيخ الطيب أحمد هاشم مفتى السودان، والسيد
إسماعيل الأزهري قاضى شرعي مديرية دارفور، والشيخ علىّ التوم ناظر الكبابيش،
والشيخ إبراهيم موسى ناظر الهدندوة، والشيخ إبراهيم محمد فرح ناظر الجعليين،
والشيخ عوض الكريم عبد الله وكيل ناظر الشكرية).ولكن الأقدار قد هيأت لشابين من
نابهة الخريجين أن يجدا فرصة السفر مع الوفد، حيث سُمح لأعضاء الوفد إصطحاب مرافق
معهم، فإختار السيد إسماعيل الأزهري قاضى شرعي دارفور حفيده الأستاذ إسماعيل
الأزهري المدرس بالمدرسة الابتدائية (أول رئيس للسودان بعد الإستقلال) ليرافقه
كمترجم، وإختار الشيخان الجليلان، أبو القاسم أحمد هاشم والطيب أحمد هاشم ،
الأستاذ محمد حاج الأمين (ابن شقيقتهم) المدرس بمدرسة أم درمان الابتدائية مرافقاً
لهما أيضاً لنفس الغرض، وبهذا كان هذان الشابان أول من يزوران أوروبا من الخريجين.
حظي الوفد بمقابلة الملك جورج الخامس في يوم 28 يوليو عام 1919م، بقصر بكنجهام،
حيث ألقى السيد علىّ الميرغني أمام الملك والملكة كلمة تهنئة بالنصر بإسم السودان،
وقدم السيد عبد الرحمن المهدي سيفاً من الذهب، تقبله الملك شاكراً ثم رده ليكون
أثراً من جلالته لأسرة السيد عبد الرحمن. منح الملك جورج الخامس ملك إنجلترا،
نيشان فيكتوريا من درجة فارس للسيد علىّ الميرغني (مع لقب سير)، وذات النيشان من
درجة رفيق لكل من السيد عبد الرحمن المهدي والسيد الشريف يوسف الهندي، والشيخ أبو
القاسم أحمد هاشم، ومن درجة عضو لكل من الشيخ الطيب أحمد هاشم والشيخ إبراهيم موسى
والشيخ علىّ التوم والشيخ إبراهيم محمد فرح والشيخ عوض الكريم أبوسن.