جزء من الفصل السادس..... التعليم والثقافات ..(كلية غردون)...وأول دار للخرجين
جزء من الفصل السادس
التعليم
والثقافات التعليم
(كلية غردون)
اُفتتحت كلية
غردون عام 1902م، وبدأت بمدرسي اللغة العربية والشريعة الإسلامية لتخرج مدرسين
وقضاة شرعيين، وتدرجاً أنشئ قسم لمدرسي اللغة الانجليزية والعلوم الإجتماعية
والرياضيات، كما أنشئ قسم للهندسة، وقسم للمكتبة والمحاسبين .... لم يقصد من إنشاء كلية غردون أن تكون
مدرسة أكاديمية، بل تعمل كمصدر يمد الحكومة بالموظفين، وكان المدرس الإنجليزي يبدأ
في كلية غوردون، ويتعرف على الطلبة، وأغلبهم من المدن، وتعمد الانجليز قبول الطلبة
من الشمال والشرق والغرب ما عدا أبناء الجنوب لم يكن لهم تواجد بين الطلبة (وهذا
أدي إلي كثير من عقبات عند مناقشة إستقلال السودان)..... أما الطلبة فهم من أبناء
الأعيان ورؤساء القبائل ومن المتحررين من الرق، ومن المحرمات علي الطلاب وقتها (إذلالاً
للنفوس ودحض الشعور بالوطنية)، ألا يذكر إطلاقاً عندما يُسأل الطالب عن جنسيته
فيرد، سوداني، ويدون في سجلات الكلية بانه "سوداني" ولكن يذكر قبيلته، مثل
(جعلي ــ محسي ـــ شايقي ـــ دنقلاوي ...) وهكذا، ولكن من الخير أن جعلوا الطلاب
من مختلف مدن السودان في بوتقة واحدة "كلية غوردون"، فإنصهروا فيما بعد
مولدين "وحدة وطنية" سوف نذكر تفاصيلها حينها. ولم يكن الأساس لقبول
الطالب بالكلية حينذاك كالتفوق والذكاء، بل إن التخطيط، هو الإحتواء وتربية شريحة
خاصة في المجتمع، لم يكن المستر "وينجت" الحاكم العام للسودان وقتها، ميالاً
لنشر الثقافة الغربية الحديثة، لأن الإستعمار البريطاني إكتوى من المثقفين الهنود
والمثقفين المصريين، لذلك كانت تدرس روايات شكسبير بلا منظور إجتماعي ويفرض
تمثيلها، وروايات (كونان دويل وشارلس دكينز وترولوب وثاكرى وسهراب ورستم لماثيو
أرنولد وقصص جورج اليوت وبنات برونتى)، أما الكتب العربية فكانت (العقد الفريد
والحيوان للجاحظ، وأدب الدنيا والدين للماوردى والأدب الكبير والأدب الصغير لإبن
المقفع)، ومنعت كل الكتب عن الثورات!!!. يخرج الطالب من كلية غوردون، وليس له مزيد
من الثقافة، فقد حرمت عليهم قراءة المجلات العربية ماعدا مجلة الهلال ومجلة
المقتطف، يُندهشوا بعد تخرجهم بعالماً جديداً من الموظفين والضباط المصريين،
فيعشقون الثقافة المصرية، والجرائد مثل (الأهرام ــ السياسة ــ اللواء ـــ المقطم
) ينتظرونها لكي يتعرفوا علي مايدور حولهم، ويطلعون على كتابات وخطب مصطفى كامل
وكتابات جمال الدين الأفغاني وأحمد لطفي السيد، ويتعرفون علي تفاصيل ثورة عرابي،
وتعمر الأندية بالمحاضرات والليالي الشعرية. وكان نتيجة
التعليم والتوظيف، ظهور البيروقراطيين من أبناء السودان فى شكل طبقة "الأفندية" تلك الطبقة من
الاداريين السودانيين التى كان لها أثرها الاجتماعى والسياسى فضلا عن عملها
الادارى. فالأفندية لم يكونوا "طبقة" بعينها أو قطاعا
اجتماعيا لأنهم لم يكن لهم نصيب فى المجتمع التقليدى وانما ضمت نفرا من جميع
الطبقات، كما أنهم لم يكونوا بمنأى عن الشعب السودانى، ولكنه فى النهاية كان
اتجاها ثقافيا. فالأفندية هم السودانيون الذين انتظموا فى
التعليم الحديث وتزينوا بالزى الأفرنجى، وخرجوا على النظم العتيقة.
كانت أول صحيفة رسمية تصدر في السودان هي
"غازيته حكومة السودان"، وأول عدد صدر منها تزامن واتفاقية الحكم
الثنائي (الانجليزي ـــ المصري) في العام 1899م . ثم تلاها في العام 1903 م، حيث منحت
حكومة السودان أصحاب جريدة "المقطم" التي كانت تصدر في مصر (أصحاب
الامتياز هم "صروف وممر ومكاريوس" )، إصدار صحيفة في السودان ــــ
أسماها ـــ "جريدة السودان"، حيث كانت تصدر مرتين في الأسبوع بذلك تكون
أول جريدة عربية تصدر في السودان. وبعض من الصحف غير الجادة مثل "كشكول
المساح" التي لم تعش طويلاً. ونأتي إلي الصحيفة الأدبية الاجتماعية الأسبوعية
التي صدرت في العام 1914م، لصاحبها التاجر اليوناني وهي (الرائد)، لعبت تلك
الصحيفة دوراً هاماً في تثقيف الأجيال جيل تلوا الأخر، فكان الجيل الأول الذي تلقي
ثقافته في الأزهر أو في حلقات الدراسة في منازل العلماء والفقهاء الذين إتخذوا من
دورهم مدارس لنشر الثقافات الدينية، واشتهر جماعة من هؤلاء بالتعلق بالأدب وإنشاء
الشعر، أمثال علي سبيل المثال لا الحصر، الأساتذة "الشيخ أبو القاسم أحمد
هاشم شيخ علماء السودان، والشيخ الطيب أحمد هاشم مفتي السودان، الشيخ إبراهيم أحمد
هاشم، والشيخ بابكر بدري بمصلحة المعارف، ومفتش المحاكم الشرعية محمد عمر البناء، والشيخ
عمر الأزهري من العلماء وغيرهم". والجيل
الثاني ...الذي سوف نقف عليه كثيراً، لنتعرف علي بعض جوانب الثقافات التي أثرت في
العقول التي أثمرت جيل ذو فكر ووعي وثقافة وتطلع كبيرين ... هؤلاء هم الناشئون
اللذين تخرجوا من "كلية غوردون". ولم يكن الخريجون الذين يكملون دراستهم
كل عام يتعدون أصابع اليد الواحدة في كل فرع..... أما صحيفة "الرائد" فهيه
سبّاقة بتنظيم المسابقات الشعرية كنوع من الثقافات في ذاك العهد، ومن أشهر الشعراء
(الشيخ محمد عمر البناء ــ الأساتذة أحمد محمد صالح وحسن عثمان بدري وتوفيق صالح
جبريل)، ونجد شعراء من المصريين العاملين في السودان مثل، الرائد الأديب الكبير
"محمد بك فاضل"، عمل في مصلحة السكة الحديد بعطبرة، أمتاز بمكانته
الأدبية المرموقة في مصر والسودان. ثم تولى السيد "حسين شريف"، أول
صحافي سوداني، تحرير مجلة الرائد الأدبية عام 1917م، إلا أن هذا الوضع لم يرض طموح
حسين شريف الذي كان صحافياً بطبعة وروحه، وكان يريد صحافة سودانية خالصة. فاستطاع
بجهده الخاص أن ينشىء جريدة حضارة السودان سنة 1919م فكانت أول صحيفة سودانية
لحماً ودماً وروحاً وكانت أدبية إجتماعية، وجاء إصدار هذه الجريدة نتيجة لتلك
المقالات التي صاح فيها حسين شريف على صفحات الرائد وهى تحتضر مهيباً بالشعب
السوداني قائلاً ( شعب بلا جريدة كقلب بلا لسان). وكان أصحاب إمتياز الحضارة أول
أمرها السيد عبدالرحمن المهدي والسيد محمد الخليفة شريف والشيخ عثمان صالح التاجر
بأمدرمان والشيخ عبد الرحمن جميل بكوستى والشيخ حسن أبو بالأبيض. وأصبح لخرجي كلية
"غوردون" طموحات أكبر في أبراز ثقافات كل منطقة والتعرف علي الجديد، ومن
هنا بدأت فكرة إنشاء دار لإقامة المناسبات والإحتفالات المختلفة، فلنتعرف علي دار
الخريجين الذي اُنشأت في العام 1918. فكان لتعين الحاكم العام للسودان دور في
تشجيع قيام نادي للسودانيين فهو من المؤيدين للجانب القائل "السودان
للسودانيين"!!!.
أول
دار للخريجين (1918) وماهي النشاطات المقامة به ؟:
كان صاحب فكرة نادي الخريجين السيد حسين شريف،
وقد نادى بقيامه في جريدة السودان في عام 1911، ولكن رُفض طلبهم لأن عددهم لم يكن
كافياً، لذلك إندمج الأفندية في الأندية المصرية في الخرطوم وعطبرا وبورسودان وواد
مدني والأبيض، ورحب بهم المصريون، وكانوا يمدونهم بخطب (مصطفى كامل) ومطبوعات
الحزب الوطني وأصر الخريجون السودانيون أن يكون لهم ناد كما للخريجين المصريين لهم
نادي المدارس العليا، وساعدهم في ذلك الضباط السودانيين الذين سكنوا في الموردة،
وتعلموا، وعملوا في الجيش المصري، عقد الخريجون السودانيون إجتماعاً في مارس عام
1913م، في مدرسة أمدرمان الإبتدائية، ودعوا إليه كل الخريجين في العاصمة المثلثة،
وحضره كل نظار المدارس الإبتدائية في السودان، ودارت المداولات فوافق الجميع ما
عدا ثلاثين خريجاً، ولم يتجاوز الخريجون في تلك الفترة أكثر من خمسين وثلاثمائة
خريج في السودان، وأقر الإجتماع أن يسمح بالعضوية لخريجي المدارس الإبتدائية،
وحجبها عن خريجي المدارس الأولية. شجع لي استاك (حاكم السودان العام)، الدعوة
" السودان للسودانيين " وسمح بإفتتاح نادي الخريجين فى السودان. وتم
التصديق على قيام النادي عام 1918، وتبرع لهم (الشريف يوسف الهندي) ببيت، وتكونت
لجنة تمهيدية من خمسة من الخريجين، وحاولت الحكومة أن تلزم المستر سمبسون عميد
كلية غوردون أن يقدم الضمانات كي لا يعمل الخريجون بالسياسة، ولكنه رفض الإلتزام،
وعُين رئيساً شرفياً للنادي. وكان أول رئيس له (السيد حسين شريف). كانت اللجنة من كبار الخريجين الملتزمين بسياسة
الحكومة، ومنذ عام 1919م، ظهرت الأفكار السياسية في النادي، كتب (السيد حسين شريف)
فى حضارة السودان يؤكد على ذاتيه السودان، ويرى أن مصر لم تصل إلى المستوى الذي
يمكنها من حكم السودان، ولم يهاجم مصر، بل أكد على العلاقات الأخوية والصلات بين
مصر والسودان .... خرجي كلية غوردون لم يجدوا متنفساً إلا بناديهم الذي تقام فيه
النشاطات الثقافية التي يعبرون فيها عن أنفسهم ويجدون سلواهم في بعض ما ينظمون من
أشعار وتمثيليات ترفهية. فكتب السيد حسين شريف في الحضارة، يدعوا إلي إقامة حفل
تأبين للراحلين الشيخ محمد عمر البناء، مفتش المحاكم الشرعية، والأستاذ عبدالحميد
بك إبراهيم أحد الأساتذة المصريين الأجلاء الذين ساهموا في تثقيف ذاك الجيل من
الخرجين، الذي حدثت وفاتهما في 3 فبراير 1919م، إذ انه أول حفل تأبين يقام في
البلاد. ومن الإحتفالات التي أقيمت، التهنئة بالأعياد حيث إستعاضوا بهذه عن
الزيارات التقليدية في المنازل فيكتظ النادي بالشباب والشيوخ بملابسهم الجديدة
والأنيقة، فيتبادلوا تهاني العيد السعيد، وحيث الحلوى والمرطبات تدور عليهم، والشباب
في بهجة وفرح بلقاءاتهم وتجمعهم المميز، ثم تتوالى الإحتفالات، ثم يأتي الإحتفال
بميلاد النبي صلّ الله عليه وسلم، ومن أشعارهم:
فحدث عن نبي
النيلين قوماً بأدنى النيل أو أعلي الفرات
بأنا ننتمي
حســـباً و مجــــداً إلي ما بالجزيرة مــــن رفات
يعز عليهم
نحيـــا ولــــسنــا مثــالاً للشجــــاعة والثبـــات
وتبرز الإحتفالات
مختلف الثقافات لهؤلاء الشبيبة التي تطمح في الكثير من الحريات والتطلع إلي تعليم
أفضل وثقافة أوسع.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية