السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته
القارئ الكريم.... أتمني ألا يحسدني أحد علي
ما أنا فيه، فشاءت الأقدار وأصبحت حفيدة لكل من "البطل الشهيد عبيد حاج
الأمين"، وشيخ علماء السودان "الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم" ....
رغم الخلاف الناشيء بين الشخصيتين إلا أنني أحترم كل من ذهب الي فكره ... من تلك
التوليفة نشأت فلا أستطيع الميل الي أحد دون التفكير العميق في إبراز حقائق
تاريخية لا أملك سوي سرد تفاصيلها والروايات التي تسنت لي من الأسرة عن البطل (وان
كان فيها شيء من المرارة والقسوة)، ومستندات تحصلت عليها... وما ملكت من معلومات
طرحتها في هذا الكتاب المتواضع قلماً وعملاقاً فعل بطله وتضحيته في سبيل قضيته. فقضيته
في المقام الأول هي "الإتحاد" .... الهدف منه وحدة السودانيين أنفسهم
ولإنصهارهم في بوتقة واحدة أذابت كل الفوارق القبلية، الطبقية، الطائفية والعنصرية
وكل منقصات الحياة التي واجهتهم في تلك الحقبة الزمنية التي كانت تؤمن بالفوارق
وتضع حدود شائكة لمن يتقارب وفئات منهم. وساعدهم في ذلك المستعمر الذي أبلى بلاً
حسناً في إتساع فجوة الخلاف بين أبناء الوطن الواحد والنفخ في بوق المجتمعات العالية
الراقية، والإعتزاز بالأصل والقبيلة، ومن خلال تتبعي لموضوع "الإتحاد
السوداني"، كأول تنظيم سياسي في تاريخ السودان الحديث، عُني بتلك المسألة
الذي بدأت بواكيره حسب ما ذُكر في كثير كتب، نهاية العام 1919، وبداية العام 1920،
ذهبت بفكري الي:
1-
لقد نجح الشبيبة كما كان يطلقون عليهم في تلك
الحقبة الزمنية في جعل كثير من أبناء الوطن الواحد في وحدة فعلية، بإذابة تلك الفوارق
وما تبعها من الأسترقاء... إستعبدهم نفر من أبناء جنسهم يمتلك الجاة والثروة وما
تبعها من رفائع، لا لشئ، سوي أوضاعهم الفقيرة ومجتمعاتهم البسيطة التي تفتقر الي
الرقي والطبقية التي تجاهر بها البعض مفتخراً ومكايداً.... نعم أول ما تسنت لهم
تلك الفرصة، تفاخر رفاق العمل السياسي مجاهرين ومتوجين وحدتهم فعلياً بتعين الزعيم
"عليّ عبد اللطيف" رئيساً لجمعية اللواء الأبيض .... حيث كان من
الإسترقاء فيما مضي.
2-
ثانياً بعد نجاح إتحادهم ذهبو الي النداء
..... بوحدة وادي النيل متمثله في "مصر والسودان" تحت العرش الملكي،
وطلب الإستقلال التام لهما، رافعين الصوت عالياً، خارجين من قوقعة الإتحاد السري
الي علنية جمعية "اللواء الأبيض" بزعامة (عبيد حاج الأمين) الذي نادي
بتصعيد العمل السري، الذي آن آوان المواجهات له، فقد طفح الكيل وذادت مكايد
الإستعمار في التفرقة والظلم والإستبداد والطغيان فما لبث ان ذهب معه كثيرون
مدعمين بالجانب العسكري وطلبة الكلية الحربية بكل شجاعة وبسالة .... وسوف أركز علي تلك الفترة بالتحديد لما
ترامي لي من مسامع .... حيث قال البعض:" لقد توهموا بتلك الوحدة فما كان إلا
حُلم ذهب مع الريح ــــ لم يهتم الجانب المصري بتلك الوحدة كثيرا،ً لقد خانهم
البعض، ولم يقدم لهم العون اللازم، أوقات الشدة ــــ أعضاء اللواء الأبيض الذين
ذهبوا الي مصر لم يفعلوا شئياً سوي إنهم تنصلوا وفروا هاربين من البطش بهم"
!!!!!!. وهذا هو محتوي الكتاب.
v
كمقدمة لهذا
الكتاب الذي تأخر صدوره كثيراً ليس إلا لعدم تجميعي لقدر كافي من المادة، ثم
امتناع البعض سامحهم الله في مدي بمعلومات، ويقيناً أعلم أنهم يمتلكون الكثير منها...
بحمد وتوفيق من لله، حصلت علي أهم ما كتبه وأرسله أصحاب هذه القضية إلي الصحف
المصرية التي كانت بالنسبة لهم السند والملاذ، فيتسارعون لنشر قضيتهم إلي الرأي
العام و"العالم المتمدن" كما كانوا يكتبون في رسائلهم، والأكثرأهمية
لديّه. ووجدت المراسلات التي علمت من مصادر موثوق بها، أرسلها "عبيد حاج
الأمين" إلي الصحف المصرية لعرض قضيتهم، وتوضيح أهدافهم، والحقائق المضللة من
قبل المستعمر لدحض قضيتهم، فكانت تلك بدايتي مع هذا الكتاب منذ سنوات طوال حلمت
وتمنيت إبراز قضية غابت أو بالأصح "غُيبت" عن الكثيرين منا!!!.
v
ولكي نتعرف
علي صاحب هذا الكتاب "عبيد حاج الأمين"، أثرت التعرف عليه، أولاً... من
خلال أسرته، والوسط المحيط به، كيف نشأ من خلال ذويه، ماهو وضع أسرته وقتها، ما هي
العقبات التي واجهته، خلال أسرة لها دور بارز في حياته، من ساندة ومن عارضه بشدة!!!.
كل هذه الأشياء وضعتها في اعتباري للوصول إلي هذه الشخصية، ومن ثم كيف واجه قضيته
منفرداً؟؟؟. وعندما تقرأ أيها القارئ الكريم، تفاصيل هذا الكتاب، تجد أن لصاحب هذه
القضية عدد غير قليل من الأخوة والأخوات، وهنا أخص شقيقته "نفيسة حاج الأمين"،
فهي "جدتي" لأمي وعمة غير شقيقة لوالدي، أول من حدثني عن "عبيد"،
فكيف كان ذلك ؟؟؟.إنسانة بسيطة رقيقة المشاعر مرهفة الحس تتأثر وتتفاعل مع أقل شيء
يمس عائلتها ويتملكها الخوف الشديد لإي طاريء يُسبب الأذي لأسرتها، اشتهرت "جدتي"
بالحكاوي والأحاجي وكيف تجيدها ويكاد المستمع إليها يحسبها عاشت تلك المراحل من
القصص التي تحفظها عن ظهراً قلب، بل بكل أشعارها، وفي بعض الأحايين نجدها تذكر
تواريخ لبعض أحداث تاريخية مرت بالبلاد، ذات ثقافة عالية والحديث معها أشد عذوبة، ومن
غير ملل ولا كلل، نغضب عندما تنتهي الحكاية (لم تكن تجيد القرأة والكتابة ولكن
يقال عندما يُقرأ لها قصة مثل "السيرة الهلالية" تحفظها باشعارها عن ظهر
قلب). عندما كبرت قليلاً، تيقنت أن "جدتي" لم تأتي بكل هذه القصص
والحكايات من فراغ، أو تصورها، دون ما شخص ما، أتي لها بكل تفاصيلها، وبالرجوع
بذاكرتي للوراء أجدها منظمة ودقيقة جداً في كل أحاديثها معنا، وحدثتنا عن شقيقها
العبيد، قائلة: "لم يتمتع بشبابه فقد علم أهله بنشاطه السياسي وعداء الانجليز
ما بين سن (17ـــ 19) سنة، حيث خطبنا له إبنة خاله وتمنيا أن يكمل نصف دينه، ولكن
.... جاء من حطم آماله وفرحتنا .... عندما قبض عليه وأدخل السجن حزنا أشد الحزن
علي فراقه، ولم يدخل الفرح إلي قلوبنا وتذكرنا أخانا غير الشقيق الذي ضل طريقه
مرتحلاً بالتجارة في غرب البلاد، لم تأتينا منه أي أخبار، ذهب ولم يعد ثانية .... حرمت
علي نفسي النوم علي أريكة، بل كنت أنام علي الأرض ....! وعندما تُسأل لماذا؟؟؟.
تجيب كيف تأتي لي الراحة وأنا أتخيل شقيقي " العبيد"، في هذا الوضع
المهين وتلك الوحشة، وظلمة السجن شبيهة ضيق
القبور، تتحدث تارة وتبكي تارة، إلي أن تصف لنا بعد موته، فقالت: هذا الخبر أثر
فيّ أشد الأثر، بكيناه بكل حرقه وتمنيت الموت من بعده، لم أكن ألبس في قدمي أي شيء،
أذهب إلي زيارات خاصة إلي منازل أخوتي مسافة بيعدة جداً، تُدمي قدماي، ولا أشعر
بشيء، ألبس ثوب "الفراد" شهور إلي أن يصير لونه كما الأرض و لا أغسله
أبداً، إفترشت الثري في نومي ووضعت الحجر كوسادة، كل هذا لم يشفي غليلي، ووجعي بفراق
شقيقي، الذي قتلوه ليتخلصوا منه ـسمعت قول" قتلوه"، كثيراً يتردد، بين
الأهل و لا أعلم مصدره، من الذي أبلغهم هذا القول، وكيف؟؟؟. وهذا الذي قادني إلي
التفكير في العروج إلي موضوع سوف يأتي ذكره أنفاً.
v
وفي يوم قرأت في "جريدة الخرطوم"، آبان
صدورها في القاهرة، مقال كتبته "الباحثة الدكتورة اليابانية يوشيكو كوريتا"،عن
(عليّ عبد اللطيف وثورة 1924)، موضوعاً رائعاً ولكن إستوقفتني، مقولة عند وصف
الزعيم عليّ عبد اللطيف، بانه "من حثالة المجتمع"، وكنت وقتها في فترة
تدريب في الجريدة، فكتبت رداً، علي المقال، ومشرف الصفحة الثقافية الأستاذ "أحمد
الطيب عبد المكرم"، فنشرها لي في العدد التالي مباشراً .... ( )، وبعدها إتصل بي مترجم الدكتورة "الأستاذ
مجدي النعيم"، وأبلغني أن "الدكتورة كوريتا"، ترغب في مقابلتي، وتقابلنا
في مركز الدراسات السودانية بالقاهرة، الذي أشرف علي الكتاب، وطلبت مني مقابلة
أسرتي فتم اللقاء فحضرت في الميعاد ومعها الأستاذ "أحمد عبدالمكرم"، وإعتذر
كل من الأستاذان "مجدي النعيم وحيدر طه"، فكانت جلسة تضم والدي ووالدتي،
فصنعت لهما قالب من الحلوي زينته بطريقة خاصة وكتبت عليه ثورة 1924، سّرت الدكتورة
بهذه الفكرة ووصفتها بالرائعة وإلتقطت صور كذكري، حيث إستمعت للكثير من المعلومات
وسجلتها وأصرت علي ان يدار الحديث باللغة العربية، التي أحبتها وتعرف عنها الكثير،
وعندما يصعب عليها أمر فكان والدي يترجم لها، وعند إنتهاء اللقاء طلبت مني تسجيل
كل ما قيل ... وقالت لي: "هذه فرصة لا تضعيها فأكتبي كل صغيرة ذُكرت"،
وهنا سألتها ماهو الشيء الذي جذبكِ لدراسة ثورة 1924، وجعلكّ تأتين من بلدك
اليابان وهي ليست بالقريبة منا وتتجولين بين مصر والسودان بل وسافرت إلي الخندق
مسقط رأس "الزعيم عليّ عبد اللطيف" (وبالمناسة أعطتني تذكار بعض العملات
الأوربية وجدتها في قصر جدنا الخبير في الخندق، من زمن بعيد), فأجابتني: "هؤلاء
شباب مثقفين في مقتبل العمر أذابوا الفوارق وتخطوا القبلية والعنصرية السائدة
وقتها وتوجوها عملياً بأن جعلوا أحد الأسترقاء من قبل "عليّ عبد اللطيف"
رئيساً عليهم، وهذا الذي تسبب في كثير من القلق للإستعمار وقتها" ..... ومن
هنا بدأت في التدوين بكل جدية ..... كل التحايا دكتورة كوريتا.
v
وأصبحت أجمع
كل صغيرة وكبيرة تخص جدي"عبيد" من والدي ووالدتي، ولكن هناك بعض الأشياء
التي يجب علي جمعها والتعرف علي ماكُتب في تلك المرحلة من كثير كُتاب دونوا تلك
الفترة الزمنية، وقال لي والدي عندما كنت في فترة الخمسنات والستينات بمصر، "فترة
عمله في سفارة السودان كأول سكرتير لأول سفير للسودان يوسف التيني" .... أتحين
الفرص وأذهب الي (دار الوثائق المصرية) لكي أقرأ ما أرسله "عبيد" للصحف
المصرية ... فإذا رغبتي في التعرف علي "عبيد" فيجب عليكِ قرأت تلك
الرسائل، فعزمت أمري بالذهاب إلي "الهيئة العامة للكتاب "دار الوثائق المصرية
سابقاً"، وبعد جهد وبحث متواصل، وهنا أقدم الشكر أجزيله لكل من ساعدني من
موظفي الهيئة في العثور علي تلك الرسائل لطول الفترة الزمنية، وبعض الجرائد أصبح
من الصعب قراءتها، فوجدتني أذهب كل يوم للحصول علي أكبر قدر من المعلومات ورسائل
أرسلها كثير من أعضاء اللواء الأبيض للصحف المصرية التي كانت الملاذ والعون الوحيد
لهم يجدون المتنفس و إظهار الحقائق التي طالما حاول الإستعمار إخفاءها، لكي يدحض
قضيتهم جاهدين عدم وصول آراءهم وإستقاثاتهم إلي اخوانهم بمصر، مطالبين بوحدة وادي
النيل و الإستقلال التام لمصر والسودان.
v
كبداية لهذا الكتاب.... جعلت بعد المقدمة
(الفصل الأول)، التمهيد لنتعرف علي القرابه بين مصر والسودان (حضارة وادي النيل)،
لان القضية التي طالب أعضاء اللواء الأبيض استكمالاً لوحدة السودانيين متمثلة في
(الإتحاد) الذي نجحوا فيه "كأول تنظيم سياسي في أفريقا" وحدة وادي النيل
والمطالبة بالاستقلال التام لوادي النيل شماله وجنوبه، ورفع شعار "مصر
للسودان والسودان لمصر"،... يحيي ملك مصر والسودان .... يحيي سعد باشا، أهي
كانت العواطف ما بين شعبي وادي النيل أم رابطة اللغة والدين والنسب... أم الطبيعة
التي غلبت؟؟؟. وللخوض في هذا الموضوع آثرت الرجوع إلي كتب التاريخ والمقالات وكل
ما تعلق بحضارة وادي النيل العظيم. ووجدت مقالاً للدكتور محجوب ثابت متحدثاً
بليغاً يدحض كل المزاعم التي طالبت بفصل عري الروابط ما بين الشعبين، فكانت نتائج
هائلة، لمعرفة شيء يسير لحضارة النيل العظيم دفعني للخوض في "جمعية اللواء
الأبيض"، هل كان الشعار (وحدة وادي النيل)، نابع عن فكر ودراسة ثم عقيدة؟.
فقد ذكر محجوب باشري في كتابه علي لسان والده"جماعة الإتحاد يدرسون كتب
التاريخ ويصححونها".... هذا هو فحوي الفصل الثاني.
v
أما الفصل الثالث من الكتاب فذهبت فيه إلي
حكم "محمد عليّ باشا"، للسودان والأسباب التي أدت إلي فتح السودان ورؤيته
في الفوائد العظيمة لهذا الفتح، من إستخدام الرجال الأقوياء في الحرث والحصاد ثم
إستيعابهم في الجيش، ومن ثم الخدمات التي قدمها للسودان من تعليم وصحة ومواصلات.
v
وفي الفصل الرابع، خصصته للثورة المهدية أبان
الحكم التركي الأول كما جاءت تسميتها في كثير من كتب التاريخ، وعرف وقتها الحكم
التركي بالفظاعة والشدة والقسوة التي عانا منها الناس كثيراً، وتذكر فظائعها إلي
أوقات قريبة، لدرجة أن الناس إختلط عليهم عندما جاء الحكم الثنائي(الانجليزي
المصري)، فكانوا يرددون الحكم التركي الثاني، وتشبية المصريين بالأتراك، فهذا ترك
عظيم الأثر في نفوسهم، فعندما جاء "محمد أحمد" الرجل البسيط العابد
الزاهد، وأحبه الناس، ووجدوا فيه الصلاح والورع، فدعا الناس إلي الجهاد ورد
المظالم الواقعة علي عاتق الإنسان السوداني البسيط من حكومة الظلم والإستبداد، هب
الناس إليه وآزروه، ثم أعلن لهم أنه المهدي المنتظر الذي سوف يخلصهم من طول عذاب
وشقاء، فأصبحت دعوته الجهاد ضد سالبي حقوق العباد، فدارت معارك وغزوات أنتصر فيها
عظيم الإنتصارات، وذاعت شهرته وقويت دولته ونصب خلفاءه وأمراءه، وتم له السيطرة
علي كثير من مدن السودان، إلي أن جاء دور تحرير الخرطوم الذي كانت أخر محطاته،
فُقضي علي الحاكم العام وقتها "غوردون باشا"، حيث جاءه
"الدراويش" برأس غوردون في يوم 26 يناير 1885، معلنين تمام السيطرة علي
أكبر مدن السودان وعاصمته .... ثم تولي خليفة المهدي "الخليفة عبد الله
التعايشي"، حكم البلاد بعد وفاة المهدي، لأكثر من "14" عاماً ثم
نهاية حكمه بمقتله في معركة "أم دبيكرات".
v
وجاء الفصل الخامس من الكتاب تحدثت فيه عن
الحكم الثنائي "الانجليزي ـــ المصري"، كانت الإتفاقية في يوم 19 يناير
1899، الذي وقعها من الجانب الانجليزي "اللورد كرومر" ومن الجانب المصري
وزير الخارجية "بطرس غالي" ....
ومن أهم بنود الاتفاقية أن يستعمل العلم البريطاني والعلم المصري معًا في
البر والبحر بجميع أنحاء السودان ما عدا مدينة سواكن فلا يستعمل فيها إلا العلم
المصري فقط. ولايجوز تعيين قناصل أو وكلاء قناصل أو مأمير بقنصليات بالسودان ولا
يصرح لهم بالإقامة فيه قبل المصادقة على ذلك من الحكومة البريطانية. وهذا الإتفاق في مسماه ثنائي أي يجب العمل
فيه بثنائية !!!! ولكن المتعمق فيه يجده عمل أحادي (انجليزي) لا صلة له بالثنائية
المسماه، ونجد أيضاً الجانب الانجليزي المسيطر علي الحكم في السودان يستعمل سياسة
"فرق يسد" لضمان وجوده، وإستخدام "كرت" ـــ إذا جاز لي هذا
التعبير ـــ إن السودانيون يكرهون فترة الحكم التركي، لما جلب لهم الظلم والقسوة
والألأم، فكانوا يشيرون علي المصري "التركي"، والحكم المصري بالتركية
الثانية، فأسسوا حكمهم علي هذا المفهوم، ودائماً يظهرون أمام السوداني بالمنقذ
الرحيم، والمصري بالظالم المستبد، فلا يجعلون أي فرصة لربط الشعبين رغم أن الطبيعة
هي التي ربطت بينهما، وكثير من توضيحات في هذا الفصل نجدها.
v
أما الفصل السادس .... تحدثت عن الفترة ما
بين (1902 ـــ 1919) وهي فترة حافلة بكثير من التغيرات في تاريخ السودان، من إنشاء
"كلية غوردون"، الذي جمع لها اللورد "كتشنر"، الأموال عندما
أراد أن يخلد ذكري "غوردون باشا" ... ثم نادي الخريجين هذا الصرح
العملاق ملتقي شبيبة متطلعة للثقافات والمعرفة .... ودور الصحف في هذه الفترة
وتأثيرها علي الشباب الناهض..... ثم زيارة أول وفد سوداني إلي إنجلترا لتهنئة
الملك "جورج الخامس" ملك بريطانيا بالإنتصار في الحرب العالمية الأولي
وأهمية هذه الزيارة في موضوع الكتاب .... وأحداث ثورة 1919 في مصر وأثرها في شبيبة
الحقل السياسي المنادية بوحدة وادي النيل تحت عرش الملك "فؤاد الأول"
ملك مصر والسودان.
v
وفي الفصل السابع ... تحدث فيه عن
"عبيد" ميلاده ونشأته وأسرته، فلأسرته كبير الآثر في تفاصيل حياته .
v
أما الفصل الثامن تحدثت فيه عن الفترة منذ
العام 1920 إلي العام 1924 أي بداية أحداث الثورة، وفي هذه الفترة بدأت طلائع
العمل السري ضد الانجليز بعد تكوين أول تنظيم سياسي في تاريخ السودان الحديث وهو
"حزب الإتحاد السوداني" السري, من أعضاءه عبيد حاج الأمين, ومن ثم
النشاطات التي فُعلت والنشرات، وكيف تم إزعاج المستعمر بها، وإعلان الملك فؤاد
الأول ملك علي مصر والسودان ...ثم الكتاب الشهير الذي أخرجه العضو "سليمان
كشه" وكيف آثرت كتابة مقدمته علي الزعيم "عليّ عبد اللطيف"، ثم تكوين
جمعية اللواء الأبيض التنظيم العلني الثوري خلاف إتحاد السودان السري حيث جعلوا
لهذا التنظيم جناح عسكري وأصبح العداء لحكومة السودان (المستعمر) علناً، ولم
يكتفوا بذلك بل نصبوا "عليّ عبد اللطيف" رئيساً لإذابة الفوارق الطبقية
والقبلية السائدة وقتها في بوتقة العمل الوطني ضد الإستعمار, لم تكن الجمعية تخص
أفراد أوجماعات بل هي تتحدث بشأن، ليس إستقلال السودان وحده بل الإستقلال التام
لوادي النيل "مصر والسودان"، نجد بها كل الفئات, مثل القاضي .... نائب المأمور
...العسكريين .... المترجم ... الطالب ... التاجر .... الموظف الحكومي ... النقاش
... الإسكافي ... وتألف أعضاءها من حوالي "150" عضواً ولكن شعبيتها تزيد
عن ذلك بكثير، تفاصيل كثيرة، حتي بدأيات الثورة بمظاهرة كبري قدرها البوليس
السياسي وقتها "بعشرين ألف شخص"، ولم تهدأ ثائرة المتظاهرين ... بل
تصاعدت حتي عمت باقي مدن السودان شماله وجنوبه شرقه وغربه.
v
وفي الفصل التاسع ....عرض تفاصيل تلك الثورة،
وكيف عمت المظاهرات مدن السودان وماهي الرسائل والتلغرافات التي أرسلها أعضاء اللواء
الأبيض إلي الصحف المصرية، وخصيت صحف مثل "الأهرام واللواء المصري
والمقطم"، فصحف أخري كتبت كثيراً عن الثورة مثل "الأخبار والبلاغ
والسياسية و الوقائع"، وكيف أن أشعار شاعر الثورة (خليل فرح) آلهبت نار
الثورة وأصبحت تردد في الشوارع ... نحن ونحن الشرف البازخ .... نيلنا يا نيل الحياة
حياك حياك الحياة .... ودور الوحدات العسكرية وهي تطوف شوارع العاصمة في شموخ
مرددة أغاني الثورة عارجة علي منزل الزعيم "عليّ عبد اللطيف" ثم السجن لتحية
الأبطال الذين اُودعوا السجون، وتفاعل تلك الوحدات بعد مقتل حاكم عام السودان
وسردار الجيش المصري، وصُدور الأوامر بسحب الجيش المصري من السودان، وملحمة
المستشفي الشهيرة التي قتل فيها "البطل عبد الفضيل آلماظ"، ليس كما
اُذيع وقتها وحفظنها جميعاً، بل جرح في المعركة ثم قتل وهو في المستشفي لتضميد
جراحه، كيف ؟؟؟.هذا ما ذهب إليه الدكتور "أحمد ابراهيم دياب" في بحثه،
وكنت أتسائل كيف للعدو الانجليزي أن يخلد ويمجد "عبد الفضيل"، الذي
يناصبهم العداء ويجعلون منه البطل الذي قاوم ومات وهو يحمل مدفعه
"المكسيم"؟؟؟. هذا منافي للقوانين الحربية إذا إعتبرنا "عبد
الفضيل" أسير حرب فالأسري لا يقتلون !!!! ..... أحداث كثيرة مرت بتلك الثورة،
ولا ننسي مواقف أعضاء اللواء الأبيض بمصر (لتكوين فرع للجمعية)، كثير يردد قول
"هؤلاء هربوا إلي مصر خوفاً من السجون، أو تخلوا عن قضيتهم"!!! وهنا
نذكر منهم (الطالبان توفيق أحمد البكري وبشير عبد الرحمن، وأنا لا أعرف هل هو بشير
أم باشري؟ فهناك مراسلات في الصحف باسم باشري وليس بشير، المهم هما الطالبان
اللذان ساعدهما "عبيد" ورفاقه للسفر لمصر لتلقي العلم، ولحق بهما
الدرديري أحمد اسماعيل وعرفات محمد عبد الله وعثمان محمد هاشم، هؤلاء جميعاً كانت
لهم عظيم المواقف ومراسلات للصحف المصرية، ولم يكن أحسن حظاً ببعدهم عن السودان
فقد كادت لهم المخابرات الانجليزية كثير المكايد وأعظمها بعد مقتل السردار فتم
إيداعهم السجن ولولا العناية الإلهيه والقبض علي الجناة للحق بهم شديد العقاب
....... صعاب وشدائد جمة واجهتهم ولم تثني عزيمتهم.
v
فصل بأكمله وهو الفصل العاشر خصيته لرسائل
"عبيد" لأصدقاءه ثم للجرائد المصرية أبان فترة الثورة، رسائل فردية
وأخري تم مشاركته أعضاء من الجمعية ... هدفتُ من هذا الفصل التدقيق في أسلوب عبيد
في كتابة الرسائل، ومقارنتها بالمنشور الذي أحدث ضجة كبري في عشرينات القرن الماضي
باسم (وطني ناصح أمين)، وما وصلت إليه الصديقة دكتورة "كوريتا"، في أن
صاحب المنشور هو "عليّ عبد اللطيف"، للتقارب في الرسالة التي هم بنشرها
في "حضارة السودان"، وسجن بسببها... وعندما حصلت علي رسائل جدي عبيد في
الجرائد، لم أتمالك نفسي وإنخرطت في البكاء كما لم أبكي والدي يوم وفاته ... كيف لمثل
هذه العقلية المتفتحة النابهة وفي حداثة سنه لم يجد من يقف بجانبه ويسانده، ويقاتل
من أجل ما يقدم من حُسن صنيع ويتنازل عن كل مغريات الحياة وكرس جل حياته من أجل
حياة شريفة كريمة للأمة جمعا... أمثل هؤلاء يتركون هكذا؟؟؟ ووجدت كلمات كثيرة
كررها وأسلوب متميز في الكتابة، هي ما مّيز جدتي "شقيقته" حديثها العذب.
v
الفصل الحادي عشر .... خاص "من الجانب
المصري"، بالمقالات وآراء كتبها أصحابها تآزراً وتفاعلاً مع قضية وادي النيل
"مصر والسودان"، وما يحدث في السودان من ضروب العسف والظلم والقسوة التي
واجهها المتظاهرون الهاتفون بحياة مصر والسودان، فهل كانت مصر أحسن حظاً من
السودان فهي مازالت تحت وطأة الأستعمار وتكتوي بنيرانه ومن قبلها تحت الحكم التركي.
ورغم ذلك أبدت كثير من التعاطف مع ثورة 1924... وتخيرت من هؤلاء وهم كُثر, " عليّ فهمي
كامل بك" ومذكرته بخصوص السودان، ثم حديث مع حضرة
صاحب السعادة حمد الباسل باشا وكيل الوفد المصري ومجلس النواب/موقف الحكومة والوفد
حيال حوادث السودان والأزمة الأخيرة (أجرته الأهرام)... اللواء فاضل
باشا يُحال الي الإستيداع ليروي لنا حادثة عطبرة الشهيرة التي راح ضحيتها كثير من
الجرحي والموتي من الجانب المصري، (وهنا نقف لنري كيف ان الأيادي الخفية من أعضاء
اللواء الأبيض، هم الذين أوعذ لهم بفكرة المظاهرات والسخط علي أوضاعهم الكئيبة
وليس العكس كما زعم المستعمر بان المصري هو الذي يقود السوداني الي السخط علي
الأوضاع وإثارة القلاقل والمظاهرات) ــ حقيقتها المؤلمة.
v
أقوال الصحف والجرائد الانجليزية والفرنسية
هو عنوان الفصل الثاني عشر، لنتعرف علي ماذا كان ويروي الانجليز عن الثورة لبني
قومهم ....أطلعت (من خلال الجرائد المصرية) علي محتويات صحفهم اليومية مثل "
الديلي ميل" ... "التيمس" ... "الإكسبرس" ... وغيرها،
والصحف الفرنسية التي كانت أكثر تعاطفاً مع الثورة.
v
شمال الوادي ..... مصر ..... وأبنائها، علي
مختلف توجهاتهم وطبقاتهم، أفراد وجماعات طلبة وأدباء ... أطباء وضباط ... الكل تفاعل
مع الثورة، إستنكاراً لكل ما يحدث لأبناء السودان، من ضرب وسجن وتعذيب .... لمن
؟؟؟؟ للهاتفين السلمين بتحرير وادي النيل شماله وجنوبه .... بإستقلال مصر
والسودان، الإحتجاجات كثيرة جداً لذلك تخيرت منها، فكان ذلك محتويات الفصل الثالث
عشر.
v
أحداث العام 1925، بما فيه من محاكمات أعضاء
اللواء الأبيض "ثورة 1924"، تفاصيل نجدها في الفصل الرابع عشر, بعد
القبض علي قادة اللواء الأبيض لم تهدأ ثائرة الأبطال وتُخمد ثورتهم بل واصل باقي
الأعضاء مسرتهم ولكن نشاط المخابرات الانجليزية في وجود عناصر ضعاف النفس، تم
إغرائهم بالأموال والوظائف المرموقة أدت هذة المكائد والدسائس بالوقيعة بباقي
الأعضاء والزج بهم في غياهب السجون وتلفيق التهم وإثباتها عليهم والقضاء نهائياً
علي فكرة "وحدة وادي النيل مصر والسودان"، والتنكيل بمن عاونهم وإخافة
البعض الذين ابوا ألا مناصرتهم بالإنتقام منهم وأسرهم، بعد أن رفض كثيرون أن
يصبحوا "شاهد ملك" علي إخوانهم، وهنا يستوقفني حديث يدور عندما نذكر
أعضاء اللواء الأبيض, فيذهب البعض علي "أنهم صنيعة حزب بعينه من المصريين
ورأي أخر يقول بل من الآنجليز"، فإليكم "عبيد حاج الأمين"، قدم
نفسه وكل ما يملك في سبيل قضيته، ولم يلتفت إلي كل الإغراءات وعروض الوظائف التي
إنهالت عليه لترك ما ذهب إليه رغم حداثة سنه فلم يضعف أو يتخاذل ويخون قضيتهم التي
أقسمو جاهدين علي مواصلة الكفاح ونيل المرام.... وأراد المستعمر الأستفادة من تلك
العقلية فرفض وبشدة.... ولم يسأل عن " ورثته" من والده, ولا "ورثة"
والدته التي تقدر بالكثير لانها الإبنة المحببة لثري من الخندق. وعندما حًكم عليه
ونُفي إلي "واو" حتي وفاته لم يملك سوي الثروة الربانية من قوة الإرادة
والعزيمة و الوطنية والأيمان بقضيته، وهو يعلم كل ذلك .... وقال مقولته الشهيرة
عند صدور الحكم عليه "إنكم تستطيعون أن تحاكمونني ولكن لن تستطيعوا الحكم علي
فهذا للشعب والتاريخ" .... نعم فالتاريخ يذكرك وسوف يظل يذكر باذن الله....
تلك ثروة لا تقدر بمال ولا ثمن ....!!!
v
لم تنجح قسوة الإستعمار وشدته، في إخافة
الشباب الناهض المتطلع للحرية، فما أن واتتهم فرصة حتي نشبت الشرارة الخافية تحت
رماد ثورة 1924، عندما أزاحه طلبة كلية غوردون في العام 1931، بإضرابهم الشهير،
هذا فحوي الفصل الخامس عشر.
v
الفصل الحزين هو الفصل السادس عشر فيه وفاة
عبيد الحاج الأمين بنفاة بواو، إلي جنات الفردوس الأعلي، وسوف تصبح أرواحكم
ترفرف في سماءات الوطن ودماءكم العطرة أريج يُعبق أجواءنا... وسوف تصبح ذكراكم في أعماقنا أبداً ما
حييّنا.
v
الفصل السابع عشر، معاهدة
الصداقة المصرية الانجليزية (معاهدة 26/8/1936)،
حيث تصدرت الجرائد
المصرية خبر توقيع معاهدة الصداقة أو معاهدة 1936
v
الفصل الثامن عشر،
مؤتمرالخريجين 1938م ومذكرته الشهيرة1942 ....ومؤتمر
الخريجين هذا هو الإمتداد لثورة 1924، أو بالأحري النواة الحقيقة لهذا المؤتمر هي
ثورة 1924.
v
الفصل التاسع عشر
....... بدايات الطريق إلي إستقلال السودان، وتبدأ مراحل إستقلال السودان، وتكوين أحزاب
سودانية وكيف لهذه الأحزاب أن وقعت "إتفاقية بالقاهرة" في منزل
"الرئيس محمد نجيب".
v
ونأتي إلي مسك الختام وهو الفصل العشرين،
إعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان (19 ديسمبر 1955).... الرئيس السوداني اسماعيل الأزهري يرفع
علم السودان، وهو أول رئيس سوداني لجمهورية السودان الديمقراطية.
v
أهداني عمي
العزيز رحمة الله عليه "الفريق محمد عثمان محمد هاشم" ( فهو حفيد مفتي
السودان الشيخ الطيب أحمد هاشم)، ديوان شعر وهو عبارة عن تجميع القصائد الذي كتبها
والده، تمجيداً لأبطال اللواء الأبيض.... وهذه مقتطفات من بعض أشعار "ديوان
عثمان محمد هاشم(1897- 1981)، (أوشحة الأغانى )، من القصائد التى
كتبها لتمجيد أبطال ثورة 1924":
في بطانة الإستعمار وتمجيد الأبطال
بالأمس كنا
ملوكا واليوم صرنا عبيدا
مالو الى
الأجنبى وقد أضروا البلادا
مالوا الجهاد ومالوا نحو الهوى والغرور يموت لاشك شعب ماتت
نفوس بنيه
فمن شريف
وضيع وسيد لا يسود
هناك مات
عبيد فى قيده بالسجون1
أكنت عبد
الفضيل غير الشجاع الشهيد3
لم تسلم
الروح الا بكل غال مجيد
|
|
ياشعب أمس
بنوكا يقربون البعيدا
وبدلوا كل
زى تبجحا و عنادا
وقلدوا ثم
جالوا بين الخنا والفجور
وكيف يحى
ورعب ينتابه من ذويه
الذئب بين
القطيع وفى القيود الأسود
كما أصيب
علىّ فى سجنه الجنون2
حصدت جيش
الدخيل بالنار جد حصيد
ومت تحت
ظلال المكسيم بعد صمود
|
1-عبيد حاج
الأمين
2-عليّ عبد اللطيف
3-عبد الفضيل آلماظ
v
من أشعاره
المذكورة فى الديوان...
أن تخلى
بنوك يا مصر عنا ورضوا أن نكون للانجليز
فعلى قومك
العفا وويل لبنى النيل من
بنى التأيمز
هم أعزو
الذليل من غير عز ولكم نكلوا بكل عزيــز.
|
v
وفي مقدمة الديوان، تحدث عثمان محمد هاشم فقال:"وقد حدثنى
محمد أحمد محجوب يرحمه الله (الشاعر والمهندس وأيضاً المحامي، أحد العاملين في الحقل
الوطني) بأنه فاتح الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم ليكتب تاريخ
السودان الذى شوهه الإنجليز، لانه ــــ كما قال له ـــــ يرى أن تاريخ السودان لا
يحتاج للجبرتى مسجل للتاريخ، ولا لإبن بطوطة الذى يطوف بالبلاد ولكنه يحتاج لإبن
خلدون الذى فزعت أمم الشرق من عبقريته فغيبته بين جدران السجون والمنافى....!!! ليت جدنا العزيز رحمة الله عليه فعلها
ودون لنا حقائق طالما تعمد الانجلبز علي تشويهها.